
تحت الخط – خاص:
ارتسمت خلف الرسالة السرية التي حملها الوفد الرئاسي العراقي إلى نيويورك ملامح اختبار دبلوماسي حساس يطال عمق العلاقة بين بغداد وواشنطن، إذ لم تعد الاجتماعات الأممية مجرد مناسبة بروتوكولية، بل ساحة صامتة لقياس موازين الثقة والتزامات الاتفاقيات الأمنية.
وتمحورت فحوى الرسالة حول سؤال جوهري: هل تبقى الولايات المتحدة ملتزمة بالانسحاب المنظم وحماية العراق من الاستهداف الخارجي، أم أن إشارات العقوبات المحتملة والضربات غير المباشرة ستفتح الباب أمام أزمة جديدة تعيد صياغة قواعد اللعبة؟ وهنا تتجلى إشكالية التوازن بين السيادة العراقية والمصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
وتقول مصادر ان الرسالة تحمل اشارات مهمة تفيد بان الاطار يريد التعاون مع الادارة الامريكية وان عليها ان تغير تصنيفها له باعتباره واجهة ايرانية.
وانعكست حساسية التوقيت على مسار الحدث، إذ يأتي الطرح في ظل مناخ سياسي محمّل بالتصريحات الأمريكية عن عقوبات وخيارات ضاغطة، وفي ظل أجواء إقليمية تزداد فيها احتمالات التصعيد بين إسرائيل ومحور طهران. ويعني ذلك أن العراق بات في عين العاصفة، بين حاجته إلى تطمينات أمنية واضحة ورغبته في التحرر من ثقل الوجود العسكري الأجنبي.
واصطدمت الرغبة العراقية في إعادة ضبط إيقاع العلاقة مع واشنطن بعامل الاقتصاد، حيث يدرك صانع القرار أن مستقبل الاستثمار والطاقة والمصارف مرتبط بمسار التفاهم مع الولايات المتحدة. ويدرك في الوقت ذاته أن أي تعثر قد يفتح الباب أمام موجة عقوبات تعطل البنية الاقتصادية الناشئة وتضعف موقع بغداد التفاوضي.
وتداخل البعد الأممي مع المحلي، إذ يشارك الرئيس وفده وسط مناقشات الجمعية العامة التي ترفع شعار السلام والتنمية وحقوق الإنسان، بينما تحمل حقيبته أسئلة مقلقة تتعلق بأمن بلاده ومصير اتفاقياتها. وبذلك يتقاطع الخطاب المثالي للأمم المتحدة مع واقع جيوسياسي قاسٍ يتطلب من بغداد إدارة التوازن بين الحفاظ على التزاماتها الدولية وصون استقلال قرارها الداخلي.
وتتوقف تداعيات هذه الرسالة على شكل الرد الأمريكي الذي سيصل، ليس فقط في قاعات نيويورك بل في دوائر القرار ببغداد. فإذا جاء الرد مطمئناً، قد يُفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي والسياسي، أما إذا طغت لغة العقوبات والتهديدات، فسيكون على العراق البحث عن بدائل معقدة تزيد من هشاشة موقعه في المشهد الإقليمي.