
تحت الخط: تمخض المشهد في موانئ البصرة عن صورة مثقلة بالانتظار، حيث وثّق سائقو الشاحنات تفاصيل ما وصفوه بـ”القصة المعقدة”، بعدما تحولت ساحات الترحيب إلى طوابير حديدية تمتد لثمانية كيلومترات، يتكدس فيها آلاف الحاويات والشاحنات بانتظار إذن التحميل، فيما تتوالى الغرامات اليومية التي تثقل كاهل التجار والسائقين على حد سواء.
وقال أحد السائقين بصوت متعب في مقطع متداول إن “الشاحنة الواحدة قد تبقى أكثر من أربعين يومًا بين الجدولة والإجراءات والانتظار، بينما تسجَّل عليها غرامات متراكمة تتجاوز نصف مليون دينار للحاوية الواحدة”، مؤكداً أن “التحميل متلكئ، والإجراءات بيروقراطية، فيما تضيع الأيام بلا جدوى”.
غرامات متصاعدة
واستفحلت الأزمة مع الغرامات المفروضة من قبل الشركات المتعاقدة مع الموانئ، حيث أوضح سائق آخر أن “الغرامات غير متساوية، فتارة تُحسب بـ50 دولاراً يومياً، وتارة أخرى بـ80 أو 100 دولار، في حين لا يملك السائق أي خيار سوى الانتظار”. وأكد أن “الغرامات تتحول إلى حصيلة مالية هائلة تذهب لجيوب شركات مرتبطة بالسياسيين وأصحاب النفوذ، ممن وجدوا في التأخير فرصة ذهبية لجني مليارات الدنانير”.
تواطؤ خفي
وأوضح سائقون أن “هناك اتفاقاً غير معلن بين أصحاب الأرصفة وساحات الترحيب، يتم بموجبه تكديس الحاويات وتأخير إجراءات التفريغ، بينما يُستمر بإنزال البواخر بشكل متواصل لزيادة عدد الحاويات المتكدسة”، معتبرين أن “الموانئ تحولت إلى مسرح لتفاهمات خفية بين أطراف متنفذة تبحث عن مضاعفة أرباحها على حساب اقتصاد البلاد”.
أرقام صادمة
وكشف مختصون أن “الطاقة اليومية لمناولة الحاويات في الموانئ العراقية تبلغ نحو عشرة آلاف حاوية”، مشيرين إلى أن “ضرب هذا الرقم بمتوسط غرامة يبلغ 500 ألف دينار للحاوية الواحدة يعني أن الشركات قد تجني نحو خمسة مليارات دينار كل عشرين يوماً فقط من الغرامات، وهو رقم يعكس حجم الاستنزاف الاقتصادي الذي يمر به التجار والمستهلكون على حد سواء”.
أصوات غاضبة
وأطلق تجار وأصحاب شركات نقل صرخاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كتب أحدهم: “البضاعة تصل في أسبوع من الصين، لكنها لا تصل إلى بغداد إلا بعد أربعين يوماً من احتجازها في الموانئ”، فيما غرّد آخر قائلاً: “الموانئ ليست معبراً تجارياً بل مصيدة مالية للتجار والسائقين”.
وقال أحد التجار في حوار افتراضي معنا: “نحن نعيش حالة استنزاف يومي، فالغرامات تُضاعف علينا قبل أن تصل بضائعنا إلى الأسواق، وهذا ينعكس مباشرة على المواطن الذي يدفع الثمن بارتفاع الأسعار”. وأضاف: “لا يمكن أن يستمر هذا الوضع دون تدخل حكومي مباشر يوقف شبكات المصالح التي تمسك بالموانئ من الداخل”.